إن قضية فلسطين والقدس اليوم هي قضية مفهوم وليست أرضا أو حكومة أو حركة سياسية معينة. إن مفهوم القدس، مثل النظريات الدولية، أصبح عالمياً، ولا ينتمي إلى زمان ومكان واحد، وإلى شخص وبلد واحد.
عندما نتحدث عن القدس، فإننا نتحدث عن فكرة غيرت العالم، ومن صلب هذا المفهوم ظهرت مفاهيم أخرى مثل المقاومة، مثل القتال ضد إسرائيل، مثل الانتفاضة. كل هذه المفاهيم أنتجت قيمة، أي أنها خلقت قيماً لشعوب العالم من مفكرين وسياسيين وأحرار، يحترمونها ويدفعون ثمناً لها، فإذا لم يكن للشيء قيمة، فلا يدفع له ثمنا. المقاومة هي قيمة، الإنتفاضة قيمة.
“أهم ما يميز هذه المفاهيم والقيم أنها حية وديناميكية. ميزة أخرى هي سرعة توسعها. و نحن نشاهد أنهم لا يستطيعون حصرها بأي أداة يستخدمونها. ميزة أخرى مهمة للقدس هي أصالته”. لأنها أصيلة ولها معجبين. إن السبب وراء وصول جهود الكيان الصهيوني والغرب لتدمير مفهوم فلسطين على مدى السنوات الـ 75 الماضية إلى طريق مسدود، هو أصالتها. لذلك نحن أمام مفهوم ذو أصالة يتميز بخصائص قوية مثل الديناميكية وقوة التوسع.
وفي مقابل هذا المفهوم بهذه الخصائص، فإننا أمام تيار هيمنة قوي وغني ومجهز بأقوى اللوجستيات، كان هدفه خلال العقود الماضية تنقية مفهوم فلسطين، وقد حظي بكل الدعم والموارد. ومهما كثرت الأدوات والقوة المادية، فإن هذا التيار لم ينجح في خلق مفهوم، أي أن إسرائيل لم تصبح مفهوما. لذلك، ليس لها أصالة، وبقاءها يعتمد على الدعم والقوة المادية
على عكس فلسطين التي هي مفهوم وبقاءه لا يعتمد على عناصر مادية. ونتيجة لذلك، فإننا نواجه تعارض ظاهرتين: الهيمنة والمفهوم. وبالطبع فإن السيادة غير قادرة على إنتاج مفهوم، أو إذا أنتجت مفهومًا، فليس لها أصالة، بل حضور فقط. ومع ذلك، فإن المفهوم متجذر ولا يمكن إزالته.
سأعود إلى اليوم. إسرائيل قاعدة عسكرية لا ترحم في المنطقة، وارتكبت كافة الجرائم ضد فلسطين، واعترفت العديد من الدول والمنظمات والشخصيات الدولية بارتكابها جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب. ويتطلب الأمر المساعدة من جميع الأدوات والمعدات العسكرية بهذه الطريقة. فهو لا يستثني طفلاً أو امرأة.
لا يوجد مبنى أو مستشفى آمن. تسعى إلى تدمير الحياة في فلسطين ولا تحترم أي مبادئ وقواعد للحرب. فهل ساعدت كل هذه الأفعال، بل وأكثر من ذلك، في تدمير مفهوم فلسطين؟ بل على العكس من ذلك، فقد عززت مفهوم فلسطين وجعلتها معروفة أكثر للعالم. ومن ناحية أخرى، فإن إسرائيل نفسها تشعر بالخوف والضعف أكثر من أي وقت مضى. وكما ذكرنا فإن سبب الشعور بالخوف هو أن إسرائيل ليست مفهوما. السؤال: هل يمكن لمفهوم (فلسطين) أن ينتصر بدون وسائل وأدوات؟
للإجابة على هذا السؤال، لا بد من توضيح أن فلسطين تمتلك حالياً الأرضية الفكرية والمضمونية والروحية الأكثر تحقيقاً للنصر. هذه هي وظيفة المفهوم. أي أن تحويل القضية الفلسطينية إلى مفهوم هو شرط ضروري لانتصار فلسطين، وهو ما تحقق، والآن نعود إلى الجزء الثاني.
هل انتصار فلسطين ممكن بدون المعدات واللوجستيات؟ الجواب هو أن عملية 7 اكتوبر كانت أدات للهجوم على إسرائيل، ولو كان لدى المقاومة المزيد من المعدات والأدوات العسكرية لكان النصر قد تحقق. أي أن احتمال تكرار عمليات مماثلة في المستقبل يجعل النصر محتملاً. ولا ينبغي أن نغفل أن النصر عملية وليس مشروعاً، يعني جزءاً كبيراً من انتصار فلسطين تحققت خلال العقود الماضية ويجري استكماله.
والنقطة المهمة هي أنه بالتوازي مع أهمية فلسطين، أصبح النظام الصهيوني أيضًا أضعف وأقرب إلى الانحدار. صاحب القوة لا يظهر قوته أمام من كانت يديه ورجليه مقيدتين. النظام يرتكب هذه الجرائم ليظهر أنه قوي وحيوي. لكن واقع المشهد شيء آخر .
ومن واجبنا أن نبذل الجهود للتأكيد على مفهوم فلسطين. نحن نؤمن بوعد الله في القرآن الكريم. كما قال: { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ }. ونؤمن أن نهاية الصبر هو الظفر. كما أن من واجبنا الدفاع عن إخواننا في فلسطين. و قبل الختمام اود ان اشکر الجمهوریه الاسلامیه الموریتانیه حکومه و شعبا علی مواقفهم المشرفه بخصوص القضیه الفلسطینیه .
*بقلم جواد ابو:
سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في موريتانيا