اقْرَأْ؛ لأن الكلمات لن تبقى في الخارج، ستعبرهم عميقا وتهدم بالوعي ألف هبل وبها سنعلو بك إلى قمة: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ) (الزخرف: ٤٤ ) ، ذكر لقومك الغائبين في سراديب الموت وسراديب النسيان والغايات الهامشية، ذكر سيرتفع بقومك ما بقيت فيكم فريضة اقرأ.
(اقرأ)؛ لأنها وحدها من ستعلم الأعراب كيف يُصبح لخطواتهم على الرمال صدى، صدى تهتز له عُروش الحضارات الممتدة على فقرنا، والممتدة على جهلنا.
( اقْرَأْ ) ؛ لأنّها وحدها من ستكتب لكم حضوركم على منصة القيادة، وفي كل تفاصيل التاريخ، بل وفي تفاصيل النعيم في عليين!
إقرأ)، وليس بين يدي محمد ﷺ صحيفةٌ ولا قَلَمٌ ولا مَا يَسْطُرُونَ) (القلم: ١)
(اقرأ) ، وعقل محمد الله يلتفت يمنة ويسرة فلا يرى إلا غارًا ورمالا، وفراغا يلتهم صدى قومه، ويُبقيهم في المجهول.
اقْرَأْ) ، وما لمحمد ﷺ وهذا النداء!
(اقرأ) ، وتتوالى عبارات من السماء لا تهم العقل العربي، منها: عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ (العلق: ٤ ) .
(اقرأ) ، تلك هي الكلمة التي ستلد صورة الحضارة الإسلامية، صورة أمة تقوم على المعرفة، أمة دينها الكتاب، ونسيجها كلمات تضيء، كلمة سترسم قرونًا من تاريخ لا ينطفئ، يورق الكهف ويسيل العطر من الكلمات، وفي فجأة الدهشة يغيب الوحي إلى ما وراء الغيب، فيهرول النبي إلى خديجة، تاركا أربعين عاما من الانتظار، وفي القلب ألف سؤال: لماذا ( اقرأ ) ؟ أكان هذا صوت العبور نحو المستحيل!
ترتعش روحه وهي ترتشف هيبة الرؤى، دثروني دثروني؛ ثمة ما يهرب منه فقد كان يخشى ما رأى.
دثروني، يرددها ويعيذ بها نفسه من خوفه، تضمه خديجة فيهدأ بها، وتهمس له: (لن يخزيك الله أبدًا ) ؛ تتوضأ روحه بالأنس، ويذوق لذة الوصل، ويلتفت فلا يرى في ليل الأقدار سوى كلمة (اقرأ) ، فقد أعلنت السماء نهاية الغسق، وما بين عتمة الانتظار وآخر خطوة في رحلة الضياع تتوهج كلمة لم يتوقعها العقل العربي، لقد كانت (اقرأ) أول أبجدية في نص سيكتب مسيرة التغيير.
( اقْرَأْ ) يا محمد؛ فهي وحدها والله من سَتَقلِبُ الوثنية، وتُفقد الأصنام ثباتها، وتمنحك نهايةً شعارها :﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ بطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء: ۸۱).
احرام بإطلاق الفعل وإذا غاب المعمول اتسع المدلول، وقد اتسع كثيرًا؛ فإذا بالكلمة الأولى تفيض بحضارة معابدها مكتبة وتسبيحها قراءة وصلاتها صناعة المعرفة.
قراءة ممتعة مع صوم مقبول إن شاء الله تعالى.
☆خبير مالي وباحث في الدراسات الاسلامية