
تحتفل الجمهورية الإسلامية الموريتانية هذه الأيام بمرور ستين عاماً على إقامة علاقاتها الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية. إنها محطة تاريخية تستحق التوقف عندها بإجلال، تقديراً لدولة صديقة واكبت نشأة الدولة الموريتانية الحديثة منذ لحظات الاستقلال الأولى، وظلت شريكاً موثوقاً في مسيرة البناء والتنمية.
في نوفمبر 1965، أقامت موريتانيا علاقات دبلوماسية مع الصين، في وقت كانت فيه البلاد حديثة الاستقلال، ولا تزال تبحث عن موطئ قدم في الساحة الدولية. جاء الاعتراف الصيني مبكراً، ومنح العلاقة بعداً استراتيجياً وأخلاقياً ظل حاضراً على مر العقود. ومنذ ذلك الحين، حرصت الصين على تقديم دعم تنموي ملموس لموريتانيا، تميز بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهو ما جعلها شريكاً مفضلاً لدى مختلف الحكومات المتعاقبة.
على امتداد العقود الماضية، كان الحضور الصيني بارزاً في مشاريع البنية التحتية الكبرى. من الطرق إلى المستشفيات، مروراً بالمدارس والمنشآت الإدارية، كانت الشركات الصينية تبني جسور الثقة بين الشعوب عبر الإسمنت والحديد. ويظل مستشفى الصداقة في نواكشوط أحد أبرز رموز التعاون الصحي بين البلدين، حيث وفرت الصين تجهيزاته وطاقمه الطبي، وساهم في تكوين الكفاءات الصحية الموريتانية.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الصين أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لموريتانيا، إذ تستورد المعادن كالحديد والنحاس والذهب، إضافة إلى الأسماك، وتصدر في المقابل الآلات والمواد الصناعية. كما ساهمت في تطوير ميناء نواكشوط المستقل ومشاريع الطاقة والبنى التحتية الحديثة.
ويُعد "جسر الصداقة" الذي دشنه فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الأسبوع الماضي، شاهداً جديداً على متانة العلاقة واستعداد الصين الدائم لمساندة موريتانيا في كل المراحل.
لم تغب الزراعة عن أولويات الشراكة، فقد دعمت الصين بقوة تطوير الزراعة المروية في ضفة النهر، وأدخلت تقنيات حديثة لزراعة الأرز، وكونت أطرًا فنية في المجال. وتظل مزارع "بورية" للأرز في روصو مثالاً ناطقاً على أن الصين لا تعطيك سمكة، بل تعلمك كيف تصطادها، في تجسيد عملي لفلسفة الدعم التنموي المستدام، التي تسعى إلى تمكين الشعوب لا تعويدها على التبعية.
قدّمت الصين آلاف المنح الدراسية للطلبة الموريتانيين في تخصصات متنوعة، وأسهمت في تطوير رأس المال البشري الوطني. كما افتتحت معهد كونفوشيوس في نواكشوط، ليكون جسراً ثقافياً يعرّف الموريتانيين على الحضارة الصينية، ويقرب الشعبين من بعضهما البعض في زمن التقارب العالمي.
الصديق وقت الضيق
خلال جائحة كوفيد-19، برهنت الصين مجدداً على صداقتها الصادقة، فكانت من أوائل الدول التي سارعت لتقديم اللقاحات والمساعدات الطبية لموريتانيا. لقد وقفت معنا في وقت الشدة، كما فعلت في أوقات البناء والنماء.
مع دخول العلاقات عامها الحادي والستين، تتطلع موريتانيا إلى تعزيز الشراكة مع الصين في مجالات التكنولوجيا، والتحول الرقمي، والطاقة المتجددة، والزراعة الذكية. وتشكل مبادرة "الحزام والطريق" فرصة ذهبية لتعزيز مكانة موريتانيا كبوابة استراتيجية بين إفريقيا وآسيا، عبر بنى لوجستية وتجارية حديثة.
ختاماً: شكراً للصين
في هذه الذكرى المجيدة، نقول للصين: شكراً لكم، شعباً وقيادة، على ستة عقود من الوفاء والدعم والمصداقية. شكراً لوقوفكم مع موريتانيا دون شروط، واحترامكم لخياراتها وسيادتها. ستبقى موريتانيا وفية لأصدقائها، مؤمنة بأن التعاون الصادق هو السبيل إلى بناء عالم يسوده السلام، ويعلو فيه صوت التنمية والتفاهم على ضجيج الصراعات والمصالح الضيقة.
محمد الأمين بن محمد الحنفي
مدير وكالة الساحل ميديا
نواكشوط – موريتانيا
البريد الإلكتروني:
[email protected]