تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

d

رد على مقال خواركم من دون المارد الاسود اعرج/ محمد عبد الله سعيد

حين يجنح القلم عن الحقيقة ويُغذّى من خزائن الغرض، يصبح الحرف مدججًا بالتشويه، ويتحوّل السرد إلى سيمفونية نشاز تُراد بها الهيمنة على الوعي، لا إنارته. ذلك ما وقع فيه الأستاذ محمد فال ولد سيدي ميله في مقاله الموسوم بـ"حواركم من دون المارد الأسود أعرج"، حيث اختلطت البلاغة بالتغليط، وتحول النقد إلى عتابٍ مسكون بأشباح الرغبة في تصفية الحسابات، لا الإنصاف الوطني.

يبدأ الكاتب بسردٍ دراميٍّ قاتم، يصوّر المشهد السياسي وكأنّه مسرح للدمى، تسيرها "عصابات النهب" و"خنافس التملق"، فيما يُرمى "شيخ الحي البدوي" – وهو توصيف مبهم – بالجهل السياسي والعمى البصيرة. وفي ذلك من التجنّي ما لا يخفى على منصف؛ إذ لا يخدم الوطن جلد رموزه بالجملة، ولا تهدي الديمقراطية دروبها بالقدح المجاني وتعميم الفساد على كل من سبق أو تولّى.

أما حديثه عن "المارد الأسود" – في إشارة إلى السيد بيرام الداه اعبيد – فهو لا يخلو من مفارقة لافتة؛ إذ يُقدّمه الكاتب بوصفه "المخلّص" و"صاحب العشرين بالمئة المقدسة"، ناسيًا – أو متناسيًا – أن الديمقراطية ليست مجرد أرقام موسمية، بل هي قيم ومؤسسات ومسؤولية في الخطاب والممارسة. وهل يسوغ لعاقل أن ينادي بترخيص حزب لشخصٍ لم يفك ارتباطه بعدُ بمنظومات خطابية تفتّ في عضد الوحدة الوطنية، وتُحرّض أكثر مما تُجمّع، وتستدعي ذاكرة المظلومية أكثر مما تبني أفقًا مشتركًا؟

ثم ما فائدة الحوار إذا أضحى رهينة المزاج الشعبوي بدل أن يكون عقدًا جامعًا تُصان فيه الضوابط ويُحتكم فيه إلى المؤسسات؟ إن إقحام كل من حصل على نسبة انتخابية في مسار الحوار، دون اعتبارٍ لتاريخه وممارساته وخطابه، يجعل من مائدة الحوار ميدانًا فوضويًا لا يرسي حلاً ولا يبني توافقًا.

نعم، بيرام فاعل سياسي له أنصاره، لكن الفاعلية لا تُعفي من المسؤولية. فهل من المنطق السليم أن يُشرك من لا يعترف بمنظومة الدولة إلا حين تتيح له فرصة الظهور؟ وهل يُعقل أن نمنح مفتاح بيت الوطن لمن طرق بابه مكسوًّا بثياب التصعيد الدائم، لا بثياب البناء المشترك؟

ثم إنّ نبرة التهويل التي حملها المقال – وكأن غيابه عن الحوار إقصاء لأمّة بأسرها – لا تخدم أحدًا، بل تضر حتى من كُتب المقال باسمه. إن الوطنية لا تُقاس بدرجة الضجيج، ولا تُحتسب بنسب اقتراعية مؤقتة، بل تُختبر في الثبات على المبادئ، وفي الالتزام بثقافة الدولة، واحترام المؤسسات، ومخاطبة الشعب بلغة توحّد، لا أخرى تفرّق وتستثير النعرات.

أيها الكاتب، لا يكون الحوار أعرجًا بإقصاء فرد، بل يُصبح كذلك حين يُملى من الحناجر الغاضبة لا من عقول راجحة، ويُحوَّل إلى مأدبة رمزية لا تحلّ مشكلة ولا تفتح أفقًا.
 إن النضال الوطني أكبر من الأشخاص، وأسمى من التمركز حول الذوات. فلتكن دعواتنا للحوار دعوات للعقل، لا تهييجًا للعاطفة. ولتكن مخرجاتنا نابعة من حكمة التجربة، لا من غواية الشعارات.

22:42 - 2025/05/19
22:42 - 2025/05/19

تابعونا

fytw