أكد الدكتور محمد إسحاق الكنتي، في دراسة جديدة أصدرها مؤخرا، أن الأمام أبا الحسن الأشعري، لم يترك مذهب المعتزلة وفق ماهو متواتر عند البعض.
الدراسة التي صدرت تحت عنوان (أبو الحسن المعتزلي) طرحها الكنتي مؤخرا في الأسواق، وفق منشور على صفحته على الفيسبوك هذا نصه:
أبو الحسن المعتزلي..
... إن هذه الدراسة، التي تقوم على مقارنة الآراء، والتي اعتمدناها في هذا البحث، توصل إلى نتائج مخالفة، جذريا، لما هو شائع، حتى الآن،عند الحديث عن الفرق الكلامية. فهي تظهر أن أبا الحسن الأشعري لم يترك الاعتزال، ليرتمي في أحضان أهل السنة، ممثلين بالنص الحنبلي، السائد في تلك الأيام، وإنما اعتزل متأخري المعتزلة، ليصل نفسه بمتقدميهم، على مستوى المنهج، والهدف العام، مع احتفاظه بالأصالة النابعة من متطلبات عصره، التي تختلف حتما، عن متطلبات العصر، الذي عاش فيه أوئل المعتزلة. وبذلك، فإن الأشعري قد ظل معتزليا، بل إنه كان أوثق صلة بالاعتزال، في أصوله، من متأخري المعتزلة، مما يسمح لنا بالقول مع السبكي – وإن اختلف القصد – إن الأشعري "إنما جرى على سند غيره، في نصرة مذهب معروف، فزاد المذهب صحة وبيانا، ولم يبتدع مقالة اخترعها، ولا مذهبا انفراد به."(3) فهو إنما سار على سنن متقدمي المعتزلة فزاد الاعتزال بيانا، وصحح مساره، بعد أن انحرف على يد المتأخرين، عن الهدف الذي نشأ من أجله.
والأشعري لم ينشيء مذهبا جديدا، باعتراف السبكي نفسه، مما يسمح لنا بالتساؤل حول صلته بالمذهب، الذي ينسب إليه، بمقارنة تعاليمه بآراء الأشعري، التي وصلت إلينا في مؤلفاته.
وهو ما قمنا به فعلا، فاتضح لنا أن صلة الأشاعرة، الفكرية، بأبي الحسن الأشعري، لا تبدو قوية، عند مقارنة أفكارهم بأفكاره، وإنما يكادون يقطعون معه، في الكثير من المواقف، التي تؤسس مذهبهم.
من هنا، فإن المذهب الأشعري، في صيغته الكلامية، الممزوجة بالفلسفة، يعود، في الحقيقة، إلى القاضي الباقلاني، الذي هذَّب مسائله، ووضع مقدماته، ليستولي عليه المتصوفة، مع الجويني والغزالي.
وهكذا، يبدو لنا أن هناك حلقة مفقودة، بين متأخري المعتزلة، والمذهب الأشعري، كما وصل إلينا، في كتب الفرق، والمقالات، هذه الحلقة تمثلها محاولة الأشعري إنقاذ علم الكلام، والعودة به إلى أصوله الأولى.
تلك المحاولة، التي لم يكتب لها النجاح، لأن الأشاعرة – بدءً بالباقلاني – قد ابتعدوا عن الأشعرية، وإن استظلوا باسم صاحبها، فالأشعرية إذن تحتاج لدراسة، تضعها في إطارها الصحيح، بصفتها تيارا معتزليا، حاول إصلاح المذهب، والوقوف في وجه الردة الفكرية، التي سادت، مع نهاية القرن الثالث الهجري. لكن النصر كتب لهذه الردة، ومن السخرية أن يتم ذلك باسم الأشعرية.
إن الضرورة لملحة، فعلاً، لإعادة اكتشاف أبي الحسن المعتزلي...
متوفر لدى مكتبتي: القرنين، عمارة ولد المامي، ومكتبة جسور أمام السفارة التونسية.