غادر سيد ولد سالم غرفته بفندق Ibis في باريس ونزل المصعد وعند خروجه تفاجأ بشاب يبادره السلام بالحسانية ويقول "سيدي الوزير، أريد خمس دقائق من وقتكم".
خمس دقائق سيكون لها تأثير كبير على مستقبل هذا الطالب الجامعي.. ولكن، لنعد قليلا إلى الوراء…
إبان السنة الدراسية 2008 استطاع الشاب محي الدين سيف الحصول على تسجيل بفرنسا في
Classe préparatoire
التي يستطيع الطالب من خلالها تحضير مسابقات أرقى مدارس المهندسين في فرنسا.
بعد البكالوريا جاء ترتيب محي الدين هو الأول على المستوى الوطني، وبما أن لديه تسجيل في فرنسا فإن ذلك يضعه مباشرة على رأس لائحة الممنوحين إلى هذه الدولة، ولكنه فوجئ بأصدقاء كثيرين له تم توجيههم إلى فرنسا، بينما حصل هو على منحة إلى المغرب !
بما أنه ليست له وساطة، تجرع الشاب مرارة الظلم وذهب إلى المغرب، وبعد سنتين شارك في مسابقة الولوج إلى مدارس المهندسين بفرنسا، ليتم قبوله في
École Centrale de Paris
وهي إحدى أعرق مدارس المهندسين في أوروبا.
قرر ترك منحته في المغرب والسفر إلى فرنسا وفعلا بدأ في الدراسة في "سنترال" رغم شح الموارد، إذ لم يجد من وسيلة للعيش سوى الديون. في فرنسا يمكنك أن تفتح حسابا وتستدين ألف يورو إذا كنت طالبا، ويمكنك أن تستدين أكثر إذا كنت في جامعة عريقة، حيث أن البنك يعرف أنه لا يجازف كثيرا.
فتح محي الدين عدة حسابات ما مكنه من سلفة مبالغ مكنته من العيش، ولكن في مرحلة ما لم يكن يستطيع سلفة أكثر ولم تكن لديه مصادر أخرى. فاتح أحد أصدقاءه في الموضوع فقال له : "سمعت أن وزير التعليم العالي يوجد هذه الأيام في باريس في مهمة رسمية، سأطلب من أحد أصدقائي في السفارة أن يقول لنا في أي فندق يقيم، أذهب إليه واطرح مشكلتك".
يحكي محي الدين :
"في اليوم الموالي طلبت من صديقي أن يوصلني إلى الفندق بسيارته. حتى 1.70 يورو لدفع تذكرة الميترو لم تكن عندي. جلست في البهو أنتظر. بعد برهة خرج الوزير من المصعد فتوجهت إليه مباشرة. سلمت عليه فأجاب ببرود، طلبت منه خمس دقائق من وقته فأجاب باقتضاب ؛ تفضل.
لم يدعوني للجلوس ولكن ما علينا. سردت قصتي باختصار. سألني عن اسمي وفعلا تذكر أنني كنت "ماجور" البكالوريا. ومن هنا بدأ يهتم بالموضوع. توجه إلى الأريكة ودعاني للجلوس بجانبه. استمع بإنصات إلى قصتي وبعد أن انتهيت من الكلام أخذ هاتفه وتكلم مع تيام جومبار زميله في الحكومة، ثم هاتف شخصا في الوزارة وآخر في السفارة. وأخيرا أدخل يده في جيبه وأخرج مبلغ 225 يورو، يبدو أنها كل ما كان لديه.
أرجع خمسة يورو من جديد في جيبه وقال مبتسما : "لاهي نشري بيها جريدة".
ثم اعطاني الباقي فرفضت. فوضع المبلغ في جيبي بحزم وقال : "سنقوم بتحويل منحتك من المغرب إلى فرنسا، وسنقوم بدفع المتأخر rappel ولكن الإجراءات قد تأخذ اياما. اعتبر هذا المبلغ مساعدة بسيطة من أخيك الأكبر، في انتظار وصول منحتك إلى حسابك البنكي".
ثم أعطاني رقمه الشخصي قائلا : "تواصل مع السفارة وكلمني إذا تعرقل الموضوع".
وفعلا تم تحويل المنحة ودفع المبالغ المتأخرة. بعد ثلاث سنوات تخرج محي الدين من سنترال متفوقا. ورغم العروض المغرية من كبريات الشركات الفرنسية قرر فتح مشروعه الخاص، وهي شركة Riminder ولديها طريقة مبتكرة لتواصل رواد المشاريع ومديري الشركات مع الباحثين عن العمل.
لم تعد فرنسا قابلة لاستيعاب الشاب الطموح فقام بتحويل شركته إلى سان فرانسيسكو. اليوم تعتبر شركته من العناوين المعروفة في مجال التشغيل وتقدر قيمتها في السوق الامريكية بأكثر من 60 مليون دولار وتعمل مع أكثر من 120 حكومة عبر العالم، ويقوم كبار المديرين باستشارتها (الصورة مع مارك زوكربيرغ، مالك شركة فيسبوك وأحد زبناء محي الدين).
قال لي إنه في مرحلة البحث عن التمويل في بداية انطلاق مشروعه، شارك في عدة مسابقات وقدم ملفات إلى بنوك وممولين موريتانيين
BNM, BMCI, CDD…
طبعا دون جدوى.
التقيته صدفة وقال لي إنه قدم من سان فرانسيسكو إلى نواكشوط خصيصا لزيارة سيد ولد سالم بعد خروجه من الحكومة، عرفانا منه بالجميل، وتحدثنا حول إطلاق تعاون مع الحكومة الموريتانية، عبر وزارة التشغيل، ووافق على وضع خبرته وشركته ووقته رهن حكومة بلاده، من أجل مد يد العون للشباب الموريتاني العاطل عن العمل.
قال لي بالحرف : "يوما ما ساعدني أحدهم. اليوم أود بدوري مساعدة الآخرين".
صفحة الحسن لبات