تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

d

في ذكرى 20 أكتوبر: وحدة المعركة من الفلوجة العراقية إلى غـ/ز/ة الفلسطينية إلى سرت الليبية.

في هذه الصورة ابني، الحارث، يتابع بشوق الطفولة اليافعة شهادة عمه البطل فرج علي إبراهيم - عن أيام المواجهة والمجد في سرت 2011، تحت إمرة سيدي القائد الإمام معمر القذافي، وبرفقة بقية الأبطال الميامين، ضد قوات حلف شمال الأطلسي وعملائهم المحليين. 
كان الحارث حينها في عامه الثاني لا أكثر، متحصناً معي ومع الأحرار في معركة بني وليد الصامدة، برفقة البطل سيف الإسلام وأبناء الرصيفة وليبيا كلها، حتى خرجت منها يوم 07 شهر الحرث/نوفمبر 2011، بعد انتهاء المعركة واستشهاد فارسها بـ 17 يوماً كاملاً. 
وكان "حسن"، العم الآخر للحارث، قد استشهد في ميادين الزاوية بقصف الآباتشي البريطانية، هو ورفاقه الشباب. 
وأصغر أعمامه "ضو" قدم حياته وهو يقاتل مع خميس معمر كتفاً بكتف على بوابات طرابلس الأبية (قال لي خميس وهو يبلغني نبأ استشهاده: من أي طينة أنتم؟). 
بينما يستعد عمه الأكبر "إبراهيم" لكي يقدم حياته فداء لليبيا وقائدها في رتل العز بعد حين.
وقبل ذلك أصيب عمه "محمد" بقذيفة غادرة سرقت منه نصف جسده الشاب على مشارف سرت. 
بينما وقع في أسر العصابات الناتوية أعمامه الشجعان "طاهر" و "حوسين". 
ويموت عمه الغالي "عبد الله" بعيداً عن تراب الأرض الغالية ليدفن في المنفى القريب-البعيد.
هذا غير أعمامه رجال ليبيا الذين وقفوا ضد حلف الشمال واستشهدوا أم صاروا أسرى معذبين: الشتيوي وصالح وسليمان ومنصور وأحمد. 
وفي رفقتهم أبناء العمومة الشباب الذين انبثقت دماؤهم على طول الجبهات من البريقة إلى سبها وطرابلس. 
هذه عائلة آمنت فصدّقت فصدقَت. 
مازلت أذكر كيف كنت أتلقى التعليمات من القائد الشهيد وأنا في وديان بني وليد، عن طريق "القلم الأخير" فرج إبراهيم، عبر هاتف القمر الصناعي، بينما الحارث وهو في عامه الثاني يشاكسني بشقاوته، محاولاً افتكاك الهاتف من بين يديّ، متعجباً لماذا لا أعطيه دقيقة ليلعب بهذا الجهاز الغريب!
كنت أقول له: يا ولد خليني نكلم عمك! 
في آخر مكالمة بيننا قبل سقوط مدينة بني وليد تحت قصف الناتو المكثف يوم 17 التمور/أكتوبر 2011 قلت لفرج الذي كان في جبهة سرت:
يبدو أنها مسألة أيام و "يتم كل شي". 
قال فرج: إي نعم، هنيئاً لنا يا خوي. 
يا لها من تهنئة! أخ يهنئ أخاه بالموت القادم، لأنه موتٌ مع رجل هو أعز الرجال، ومن أجل وطن هو أعز الأوطان، وقضية عربية كبرى للحق والتحرير. 
حينها تذكرتُ في لمحة كل شيء: الطفولة المشتركة بيني وبينه، أحياء المدينة الحميمة، المدرسة الابتدائية، شارعنا القديم، أمهاتنا المكلومات بنا، الأب الفخم الذي غادر مبكراً وترك أثره العاطر في كل شيء، أصدقاء الجيزة البحرية وحي "رقم تلات"، مسجد بن شفيع، مزار سيدي بن همال، السبخة القِبلية، بحر الحي رقم واحد ... وليبيا... ليبيا! 
وفي كل ساعة، وفي كل ميدان، كان الآلاف من خيرة رجال ونساء ليبيا من كل العائلات المجاهدة، ينسجون ملحمة الفداء التي لم تكتمل بعد، ولن تكتمل إلا بإنقاذ ليبيا من غوط الباطل، والدفع بها نحو موقعها في معركة الأمة كلها. 
حين سألني مراسل وكالة رويترز للأبناء بالهاتف من القاهرة: ما هو تعليقكم على الضربات المكثفة للناتو وتمكين الثوار من التقدم نحو مواقعكم في الأيام الأخيرة، وأنتم محاصرون تماماً؟ 
أجبته من على علوة جبلية كنت أجلس عليها في جبهة بني وليد:
هذه فلّوجة أخرى، نصنعها نحن هنا، حتى تصير صفحةً في كتاب الأمة. فتقرأها الأجيال القادمة التي ستحفظ الكتاب كله ثم تُتِمُّهُ إلى آخر سورة فيه: سورة النصر المبين.
حياك الله يافرج، يا أخي ورفيق طفولتي، وحيا معك الحضور التاريخي لذاك الرجل الذي كنتَ قلمَهُ الأخير.

الدكتور موسى ابراهيم

13:21 - 2024/10/21
13:21 - 2024/10/21

تابعونا

fytw