أمثالها.
شعرتُ وأنا أقرأ هذه الوثائق أكثر من مرة أن المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان واليمن وسورية تحارب بيد واحدة على الزناد، بينما هي مسلوبة اليد الأخرى التي تضع الأفكار والإستراتيجيات والتمويل وتعمل عملاً دؤوباً منهجياً لنصرة أصحاب الحق الذين يُقتلون محاصرين لا حول لهم ولا قوة، بينما لا توجد هيئة بحثية فكرية علمية متخصصة بمواجهة هذا التضليل والأكاذيب وتفنيد الحقائق وإيصال الرؤى إلى كل المهتمين المحتملين في العالم، وشعرت أن هذا نتيجة إهمال على مدى عقود لأهمية الفكر والمفكرين ذوي المرجعية المنتمية بعمق إلى هذه الأرض والتي أحياناً لا تجد سبيلاً إلا الهجرة لتدور في فلك من يمتلك المؤسسات البحثية، ويوفّر لها فرصة تحقيق الذات وتفجير الطاقات.
لقد منّ العرب على العالم بفلسفتهم وفكرهم، وكان لابن رشد وابن سينا وابن خلدون فضل في النهضة الأوروبية، فماذا دهانا اليوم حيث يحلم معظم الشباب العربي بالهجرة للعمل في أي مكان في العالم، وحيث أصبحت “الديلي تلغراف” والـ “بي بي سي” والـ “سي إن إن” مصادر للمعلومة حتى عمّا لدينا داخل بيوتنا أو مطاراتنا، وحيث يتوجب علينا أن نبرهن لهم أننا لسنا دعاة حرب مع أنهم هم القتلة ونحن الضحية، والأدهى من ذلك أننا نجد عدداً من ذوي الشأن ومن الوسائل الإعلامية الناطقة بالعربية يغرّدون مع من يجهز علينا ولا يفرّق بين أحد منا والآخر أبداً ويتناولون قوله وحملاته المضلّلة علينا بنوع من القدسية والإيمان المطلق وكأنّ قوله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
المعركة اليوم مع الأعداء ليست معركة عسكرية على أرض المعركة فقط ولكنها معركة نفسية وفكرية وإعلامية فهي معركة وجودية تتطلّب منا إعادة النظر بكل المندرجات والثغرات والممارسات التي أوصلتنا إلى هنا، أوصلتنا إلى أن نكون الضحية وأن نُقتل وأن تتم إبادة أرشيفنا وأهلنا ومؤسساتنا لمحو الذاكرة والهوية، ومع ذلك لا يوجد وضوح في مرجعيتنا ولا في سبل مستقبلنا التي يجب اتباعها في الوقت الذي يقود به أعداؤنا حملات ممنهجة ومنظمة لإلغاء تاريخنا وحقوقنا وانتمائنا إلى أرضنا، من خلال إشغال كل الأدوات والإمكانات واتباع آخر النظم المعرفية للتحكم بالرأي العام وقلب الحقائق رأساً على عقب، بينما يقضي مئات الآلاف من الشهداء والمقاتلين الأشاوس دفاعاً عن أرض وكرامة الأمة بعد أن سُلبوا من قوى إسناد معرفية وفكرية هجرت الأوطان، وأضعفت القدرة حتى على إعلاء صوت الحق وإيصاله إلى ضمائر الأمم.