طرفةبن العبد من الشُّعراء الّذين رثوا أنفسهم، قال هذه الضَّادية في الحبس وقد عَاينَ الموت:
ألا اعْتَزِليني اليومَ خَولةُ أو غُضِّي
فقدْ نَزَلتْ حَدباءُ مَحكَمَةُ العَضِّ
أَزَالَتْ فؤادي عن مَقرِّ مَكانِهِ
وأضحى جَناحِي اليومَ ليس بذي نَهْضِ
وقد كنتُ جَلْداً في الحياة مُدَرِّئًا
وقد كنتُ لبّاسَ الرِّجالِ على البُغْضِ
وإِنِّي لَحُلْوٌ للخليلِ وإنّني
لَمُرٌّ لِذي الأضغانِ أُبْدِي له بُغْضِي
وإنّي لأستغني فما أَبْطَرُ الغِنَى
وأعرضُ ميسوري لِمَن يبتغي قَرْضِي
وأَعسِرُ أحياناً فتشتدُّ عُسْرتي
فأُدرِكُ ميسورَ الغِنى ومعي عِرضِي
وأستنقذُ المولى مِن الأمرِ بعدَما
يَزِلُّ كما زَلَّ البعيرُ عن الدَّحْضِ
وأَمْنَحُهُ مالي وعِرضي ونُصرَتي
وإنْ كان مَحنِيَّ الضّلوعِ على بُغْضِ
وأقضي على نفسي إذا الحقّ نابني
وفي النَّاس من يُقضى عليه ولا يَقضِي
وإنْ طَلبوا وُدِّي عطفتُ عليهمُ
ولا خيرَ فيمَن لا يعود إلى خَفْضِ
وإني لذو حِلْمٍ على أنَّ سَوْرَتِي
إذا هَزَّني قومٌ حَمِيتُ بها عِرْضِي
إذا مُتُّ فابكيني بما أنا أهلُه
وحَضِّي عليَّ الباكياتِ مَدَى الحَضِّ
قال الجاحظ في البيان والتبيين: ليس أحدٌ أعجب من طرفة بن العبد وعبد يغوث بن وقاص الحارثي؛ وذلك أنَّا إذا قسنا جودة أشعارهما عند نزول الموت بهما لم تكن دون سائر أشعارهما.