تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

d

كتاب جديد للدكتورة دلال عباس.."ياقوت من شظايا الشقيف"

 ما الومضةُ التي لمعت في رأس عدي الموسوي في اللحظة التي سمع فيها وهو واقفٌ قبالةَ قلعةِ الشقيف في العام ٢٠٠٠ أسماءَ بعض الشهداء الذين قاوموا العدوّ الصّهيونيّ، منذ الرصاصةِ الأولى التي أُطلقت على آليّاتهم التي كانت حصونًا مصغّرة، من داخل هذا الحصن الأسطوريّ؟
لعلّه تذكّرَ كلامًا سمعه أو قرأه أنّ هذه البقعةَ من الأرض التي بُنيت فيها قلعة الشّقيف جزءٌ من الأرضِ التي باركها الله …سنوات قضاها بين كتب التاريخِ والجغرافيا والسِّيَرِ يستلهمُها، مستلًّا منها خلفيّةً لروايةٍ عن حصنِ الشقيف، في المكان العامليّ والزمان الصليبيّ ـ الأيّوبيّ والزمان الإسرائيليّ، وعن الذين ضاعت سيَرُهم من كتب التاريخ،  وسقطوا من صفحاتها سهوًا أو عَمدًا، عن أولئك الذين يبحثون في الماضي والحاضرِ عن وطنٍ يُرضي أحلامَهم وأمانيهم، يتخلّصون فيه من موبقات الماضي، من التخاذل والجبن؛ عن الحكماء الذين أتقنوا التّعلّمَ من الحياة، وهم يبحثون عن العدل والمروءةِ، أيًّا كان عملُهم وأنّى كان؛ أولئك المولعون بقتال المحتلّين أينما وأنّى  وُجدوا… 
 اختار المؤلّفُ لحكايته راويةً هو روحُ أحد المدافعين عن الحصنِ منذ قرون خلت، الروح التي مُنحت عطيّةَ التطواف، على نحوٍ أثيريٍّ شفيفٍ ينساب في ثنايا الحصن ودروبه، بعد أن صار البصرُ حديدًا…
  القلاعُ  كما يقول عدي تشابه الكتبَ التي لا تنفدُ سطورُها ولا دروسها؛ والحكّامُ يأتون ويذهبون، معتدون أحيانًا وأحيانًا مدافعون ، أبطالٌ أحيانًا حرّروا ودافعوا،  وأحيانًا وارثون طمّاعون  أو جبناء .  الأرضُ عند الحكّام بضاعةٌ في دولة، والبضاعةُ تخضعُ للصّفقات والمساومة، أمّا الأرض عند أهلها فهيَ الشّرفُ والعِرضُ لا يتاجرون بها ولا يُساومون، يدافعون عنها وهم جرحى ومرضى، نسيَ التاريخُ تسجيلَ شهامتهم حين دوّن أخبار الانتصارات والهزائم، وأخبار خيانات الأمراء أو وبطولاتهم؛ قاوموا بشرف، وأحبّوا بشغفٍ وصدقٍ وإخلاصٍ وشهامة، فالحبُّ والصّدق، كما يقول أحدُ أبطال الروايةِ، إنِ اجتمعا صنعا المستحيل…   
  ياقوت من شظايا الشقيف ليست روايةً تاريخيّةً بالمعنى الذي نعرفه مذ كنّا صغارًا نقرأ التاريخ في روايات جرجي زيدان، إنّها روايةٌ مكتملةُ العناصر، مكثّفةٌ معنًى ومضمونًا ولغةً،  من خلال الأحداث المترابطةِ والمتناسلة بعضُها من بعض، التي تُحقّق مقاصد الروايةِ وأهدافَها، ومن خلال  مصطلحاتها واشاراتها ورموزها؛ بلغةٍ رشيقةٍ من السّهل الممتنع، تنساب عباراتُها كما ينسابُ النسيمُ العليلُ، أو يطلع النورُ مُبهرًا من خلف أبراج القلاع … لغةٌ وصفيّةٌ رهيفةٌ، جميلةٌ رحبةٌ، مطواعةٌ،  تنمّ عن سليقةٍ لغويّةٍ، لا تكلّفَ في صورها البيانيّةِ، تحفرُ في الورق خطوطًا تُشبه النقوش على جدران الحصون،  كالشبه بين قلعتيّ الشقيف وحلب، اللتين منهما صَدّ مقاومون متنوّعو الأعراق العدوان الصّليبيّ على هذه المِنطقةِ  في أحد الأيام، ومنهما ضربَ الأعداءُ هذه الأرض  بأسلحتهم القديمةِ والحديثةِ … 
ياقوت من شظايا الشقيف: روايةٌ يُمكن أن تُقرأ أكثر من مرّة من دون أيّ شعور ولو طفيف بالملل، وهذه الميزةُ أهمّ ميزات الروايةِ التي تُحقّق هدفها من دون منّة…

10:15 - 2024/03/02
10:14 - 2024/03/02

تابعونا

fytw