وصول كتاب الأنساب المعروف بـ"أنساب والد"، أو بكتاب "أنساب قبائل الصحراء القصوى" لوالد بن خالنا بتحقيق الدكتور يحيى ولد البراء إلى انواكشوط..
وكان الدكتور يحيى بن البراء قد شرفني بقراءة هذا العمل قبل نشره وكتابة تصدير له، فكتبت معرفا بالكتاب والجهود الكبيرة التي بذلها المحقق في تحقيقه:
((يَتميَّزُ تأليف "أئمة العشائر وأنسابهم" المعروف بكتاب "الأنساب"، أو بكتاب "أنساب والد"، أو بكتاب "أنساب قبائل الصحراء القصوى" للعلّامَةِ العارف الفقيه المقرئ الأديب اللغوي المُؤَرِّخ المشهور محمد والد بن المصطفى بن خالنا الديماني المتوفى (عام 1212هـ/1798م) بمجموعةٍ من المميزات التي تجعل منه مُصَنَّفًا فريدًا في بابه، فهو من ناحيةٍ أقدم مؤلَّف شنقيطي معروف حتى الآن في أنساب أهل هذه البلاد، فما وُجِدَ مما كُتِبَ قبله لا يتجاوَز أسطرًا أو ورقات عن خطٍّ نسبيٍّ لفردٍ أو مجموعة معينة، فلا يصل إلى درجةِ أن يُطْلَق عليه اسم كتاب، كما أنَّ مؤلِّفه هو أول مؤلِّف شنقيطي يخرج عن مجالِ الكتابة عن أنسابِ القبيلة المفردة إلى أنساب المجتمع المتعدد.
ومن ناحية أخرى يَتَمَيَّز هذا الكتاب بكونِه ركَّز على الكتابة عن الأنسابِ وَفْق الخطّ التنازلي للنّسَبِ بَدل الخط التصاعدي المألوف في مجالِ الكتابات النّسبِيَّة؛ حيث كان اهتمامه بالتعريف بالقبيلة من خلال أشخاصها المعاصِرين له أو للأجيالِ القليلة التي سَبَقَتْه أكثر من التعريف بها من خلالِ أسلافها البعيدين.
كما أنه يتميز بالتركيزِ على الأشخاص الذين كانت لهم مشاركة فاعِلة في الديناميكية الحاضرة للمُجْتَمَعِ الشنقيطي بدلًا مِنَ التركيز على التاريخ البعيد لأسلافهم، ولذلك تَمَيَّز هذا الكتاب بذكر معطيات ومعلومات وأحداث قد تكون غريبة أحيانًا، قاسِمها المشترك هو إعطاء صورة نابِضة عن الشخصِ أو المجتمع الذي يَتَحَدَّث عنه.
ومن مميزات هذا الكتاب كذلك أنه رَكَّزَ في كل قبيلة من القبائل التي تَعَرَّضَ لذِكْرِها على أئمتها وأعيان مِنْ أشخاصها، وخيوط تشابكهم، والنسيج الذي يَجْمَعهم، مُهتَمًّا في ذلك غالِبًا بشبكات الأمهات، مما يُعَزِّز مِنَ الانطباع الذي ترَكَتْه لدينا ورقات الشيخ أحمد بن الحاج عبد الله الرگادي المتوفَّى ( حول 1130هـ/ 1718م) التي تُمَثِّل أقدم وثيقة عَثَرْنا عليها في أنسابِ أهل هذه البلاد، وتَتَضَمَّن أمهات جَدِّه الشيخ سيدي أحمد البكاي بن الشيخ سيدي محمد الكنتي المتوفى (حول 920هـ/ 1514م) بأنَّ الحضور الأمومي في المجتمع الشنقيطي كان ما يزال طاغيًا آنذاك، ويُمَثِّل الوسيلة التاريخية الأهم لتقديم صورة مقطعية عن الأتنولوجيا البشرية للبلد ومَدى تشابكها في ذلك العهد.
كما أنَّ من مميزات هذا الكتاب أنه جاء على نمطٍ غير مألوف فلا تُعْرَف له مقدمة ولا خاتمة؛ حيث جعل المؤلف من الحديث عن أُمِّ والد شيخه محمد اليدالي مَدْخلًا لما سيسرده من أنسابٍ أخَذَت اتجاهات متعددة.
ومما تَمَيَّز به كذلك كونه كَتَبَ عن مجموعاتٍ بعيدة منه بشريًّا وجغرافيًّا، في حين لم يكتب عن مجموعاتٍ لصيقة به أو مِنْ وسطه الذي هو جزء منه.
وقد تميز -فضلًا عن كل ما ذكر- باستطرادِه لكثيرٍ من الأحداث والأخبار والإشارات التاريخية الهامة عن مجتمع وبلد وعصر لا يُعْرَف عنه إلا القليل.
ونَظَرًا للأهمية التاريخية البالغة لهذا الكتاب فقد وُجِدَت منه نُسَخ كثيرة في مكتباتٍ أهلية عديدة متفاوتة في مقدارِ ما لديها منه؛ حيث لم يُعْثَر أبدًا حتى الآن على نسخةٍ شاملةٍ جامعةٍ له، وهذا أيضا من الأمور التي مَيَّزَته وجَعَلَت الاهتمام به مضاعفًا.
وقد فَطِنَ الفرنسيون لذلك مُبكِّرًا، فكانت إحدى نسخ قسمه المشهور المتداول، من أول ما سعى حاكم المذرذره النقيب جان بابتيست تيفينيو (Captaine Jean–Baptiste Théveniaut) إلى الحصول عليه وتزويد الترجمان الجزائري إسماعيل حامد المُهْتَم بالتاريخ الموريتاني بها لترجمتها ونشرها؛ حيث نَشَرها إسماعيل حامد ضِمْن الجهود الاستعمارية المبذولة آنذاك للتعرُّف على البلد في كتابه المعروف (Chroniques de la Mauritanie Sénégalaise) باللغتين العربية والفرنسية.
ورَغْم مُضِيّ أكثر من مائة سنة على هذا النَّشر ظلّ تداول هذا الكتاب محدودًا خارج الأوساط العِلْمِيَّة التاريخية، وذلك بسبَبِ صعوبة معرفة الأشخاص الذين تَحَدَّث عنهم على من لم تَسْبِق له معرفة بمجتمعهم، أو الأحداث التي تَطَرَّق إليها على مَنْ لم يكن مُلِمًّا بخلفياتها إلى أنْ قَرَّرَ أخونا الأستاذ الباحث القدير الدكتور يحيى بن البراء قبل ثلاثين سنة مَضَت أو أكثر التَّجَرُّد للعمل على جمعِهِ وتحقيقِهِ، وهو الأكثر تأهيلا للقيام بذلك لاعتباراتٍ عديدة أهمُّها
:خبرته الطويلة في مجالِ البحث العلمي.
وإلمامُه الكبير بالتاريخِ والعلوم المرتبطة به.
ومعرفته الواسعة بمجتمع المؤلف والمجتمع المكتوب عنه.
الأمر الذي سمَحَ له بجمع أعدادٍ وفيرة مِنْ نُسَخِ الكتاب متباينة في طبيعتها، فالكتاب؛ وهذه ميزة أخرى مِنْ مِيزاته كان -كما ذكر المحقق- أقسامًا:
قسم مقطوع بنسْبَتِه إليه، مذكورٌ فيما اشتهر تداوله مِنْه بين الناس.
وقسم مقطوع بنسبته إليه غيرَ أنه لم يدخل فيما اشتهر تداوله منه بين الناس.
وقسم لم يُقْطَع بنسبَتِهِ إليه؛ لكنه مشابِهٌ لما تَقَدَّم مِنْ قِسْمَيْه السالفين، جار على سَنَنِهما، موافِقٌ لمنهجه فيهما؛ فدلَّ ذلك على صوابِ ضمه إليهما، مع التنبيه على ذلك في التحقيبِ والتحقيق اللذَيْن اعتمد الأستاذ المحقق الدكتور يحيى،
فكانت حصيلة جهده موسوعة أتنولوجية سوسيو تاريخية وأنتروبولوجية ثرية في غايةِ الأهمية عن مكوناتٍ عديدة من المجتمع الشنقيطي، سيدرك المطلع عليها مدى ثراء مادتها، وغزارتها، وتنوعها، وكثرة فوائدها التاريخية، وحجم الجهد الذي بذله المحقق في تتبع نصوصها وتعقب المعلومات والأحداث والأشخاص الواردة فيها بالضبط والشرح والتعريف.
وقَرَّرَ أخونا الدكتور أحمد نجيب الشريف بِصفَتِهِ مؤسِّس ومدير ديوان الشَّناقِطَة (مَكْنَز التُّراثِ والأدَبِ المُوريتانيّ) إحدى مؤسسات دارة نَجيبَوَيْهِ المعرفيّة نَشْرَ هذا العلق النفيس وإبرازَ هذا الكنز المعرفي التاريخي، وإتاحتَه للمجتمعِ العلمي المعنيِّ بتاريخ موريتانيا وثقافتها وعشائرها وحياة أهلها وأنساب أعيانها وأعلامها؛ تقبَّلَ الله تعالى منه ذلك كله بقبولٍ حسن، ونفع به ناظره وقارئه ومَنْ أفاد أو استفاد منه بمَنِّه وكرمه، آمين آمين!)).
يوجد هذا الكتاب في المكتبات، وكذلك لدى قيم دارة نجيبويه في موريتانيا على الرقم 49497878.