هو أبوالمواهب سيدي محمد العربي بن محمد بن السائح بن محمد بن بنداود بن محمد بن عبد القادر بن القطب محمد الشرقي العمري الفاروقي ينتهي نسبه إلى الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ولد فجر يوم عيد الأضحى 1229 هـ / 1813 م بالمنزل المقابل للمسجد الأعظم بمدينة مكناس ، كان الذكر الوحيد الذي رزق به والده وجاء مولده وعمر والده سبعون سنة ومنذ ولادته وحتى بلغ العشرين ظل والده يحيطه برعايته وعنايته وعطفه ويسهر على حسن تربيته ويحرص على أن يتلقى تعليما مناسبا لمقام أجداده وأهله فجاءت النشأة صالحة فى جو مفعم بالإيمان والصلاح ومحبة الرسول صلوات الله عليه وسلامه
دخل الكتاب فلُقن كتاب الله حفظا وتجويدا باعتباره الأساس والنور والشفاء والهدي حفظ ودرس بعده المتون المتداولة ثم التحق فى مكناس بحلقات دروس النحو والفقه والعروض والبلاغة ولما حصل ماحصل من علوم الدين واللغة والأدب تاقت نفسه إلى مزيد من العلم والمعرفة والتوسع فيهما فرحل إلى مدينة فاس حيث أخذ عن أكابرعلمائها من غزير العلوم ما ملأ وطابه ليرجع إلى مسقط رأسه مكناس حيث أقبل على التدريس والتعليم والإفادة وبما أن مسؤولية عائلته بقيت على عاتقه بعد وفاة والده وقد بلغ العشرين من عمره فقد تعاطى خطة الإشهاد " العدالة " مدة من الزمن للاستعانة بها على متطلبات الحياة ، درس سيد العربي على شيوخ موزعين بين مكناس وفاس منهم العلامة سيد محمد الهادي بن الشافعي بادو المكناسي العلامة سيدي عمر بن المكي بن المعطي بن صالح الشرقي العلامة سيد امحمد بن محمد بن فقيرة المكناسي العلامة سيدي العباس بن كيران الفاسي وقد تخرج فى الحديث على محدث عصره سيدي عبد القادر بن أبي جيدة المعروف بالكوهن الفاسي دفين المدينة المنورة ، كما أجازه إجازة عامة مطلقة فى سائر العلوم العلامة الرحالة الشيخ عبد الرحمن النابلسي عند زيارته للمغرب سنة 1281 هـ
وفى سنة 1256 هـ تمسك أبو المواهب السائحي بالطريقة التيجانية وكان عمره سبعا وعشرين سنة وممن أخذ عنهم الطريقة واستفاد منهم سيد الحاج علي التماسيني و سيدي محمد الهاشمي السرغيني و سيدي عبيدة بن محمد بن الصغير بن انبوجه العلوي الشنقيطي صاحب كتاب " ميزاب الرحمة الربانية "
لما بلغ الأربعين انتقل إلى الرباط وتزوج بالفاضلة لاله عائشة ابنة شيخه العلامة سيدي امحمد الحفيان الشرقاوي وكان من جملة شروط العقد أن يسكن سيدي العربي بالرباط وكان ذلك سنة 1270 هـ فكان هذا الزواج سبب إستقراره بمدينة الرباط " بزنقة القوس " حيث اشتغل بالتعليم والتدريس فى " مسجد عطية " وبنى الزاوية المتواجدة " بالحرارين " ، تخرج على يده علماء أفذاذ وعارفون أقطاب وشعراء بلغاء منهم سيد عبد الله التادلي الرباطي وسيد محمد بن يحيى بلامينو الرباطي وكانا ملازمين له حتى آخر حياته وسيد محمد المكي الزواوي وسيد صالح النيفر مفتي الديار التونسية وسيد علي بن عبد الرحمن مفتي الديار الوهرانية وممن جالسه الملك الحسن الأول ملك المغرب
زاره فى زاوية الشيخ التجاني بمكناس العارف بالله دفين البقيع الطاهر التجاني بن باب ولد أحمد بيبَ العلوي الذى قدم من المنتبذ القصي متوجها إلى المشرق فى رحلة الحج فوقعت بينهما محبة زائدة وألفة وتبادلا المعارف وشرح سيد العربي لابن باب منظومته " منية المريد " التى يقول فى أولها :
قال ابن باب العلوي نسبه :: المغربي المالكي مذهبه
بشرحه المعروف " بغية المستفيد " يقول سيد العربي عن ابن بابه :
" .. وكانت له اليد الطولى فى العلم وخصوصا فن السير والفقه والأصول والبيان والنحو والتصريف واللغة والمنطق والعروض وأشعارالعرب وأيامها وغير ذلك من الأشعار والنوادر ، أما التصوف فقد رزق من الذوق الغريب فيه ما يشهد له بالتقدم التام وستقف فى نظمه هذا على بعض الرشحات والدقائق التى تحار فى دركها الأفهام مع إفراغه ذلك فى قوالب القواعد العلمية سترا لما له مع الله تعالى من الأحوال الخصوصية.
وله نظم فى أزواج النبي عليه الصلاة والسلام ومالبناته من بنين وبنات أيضا قرأناه عليه وكتبنا عليه من إملائه فى مواضع منه وكتب لنا بخط يده فى مواضع من هوامشه كذلك أيضا وأذن لنا فى شرحه وقد قيدناه بحسب ما تيسر لنا فى الوقت وله عليه شرح نفيس فى مجلد أبدع فيه غاية ولم يمكنا كتبه استعجاله.
وله أرجوزة نظم فيها الورقات للشيخ ابي المعالي إمام الحرمين رحمه الله تعالى.
وله رحلة التزم فيها ذكر من لقيه من الأعلام فى وجهنه لبيت الله الحرام وابتدأ بأشياخه الذين قرأ عليهم كوالده ووالدته وغيرهما رأيتهما عنده وقد كمل منها مجلد وذلك قبل أن يجتاز ببلاد الواسطة والجريد وتونس والبلاد المشرقية .
وكان الناظم رحمه الله من أعاجيب الدهر فى الذكاء والفطنة ومكارم الأخلاق وحسن الشيم وعلو الهمة عن الخلق والتجافي عن سفاسف الأمور مع ماهو عليه من الجد والإجتهاد فى طاعة رب العباد وكان اجتيازه بنا فى مكناسة الزيتون عام سبعة وحمسين ومائتين وألف ومكث عندنا ثلاثة أشهر صحبناه فيها وذاكرناه واستفدنا منه مانرجو الله تعالى أن ينفعنا به فى الدين والدنيا والآخرة .. "
ولما استقر بالرباط زاره أخو الناظم محمد فال ولد باب " ابّاه "، الذى ذهب إلى المشرق فى رحلة الحج فتبادلا المعارف وأخذ عنه.
كان محمد فال يقيم فى العدوة القصوى فى " سلا " على الضفة الشمالية لنهر أبي رقراق وينزل إلى العدوة الدنيا بالضفة الجنوبية لنهر أبي رقراق حيث رباط الفتح فينزل إلى الرباط من " باب لعْلُو " حيث زاوية سيدي العربي يقول محمد فال بن باب:
هل أنزل " بالعُلُوِّ " رباط فتح :: أفكُّ به من التهيام قيدا
إلى ابن السائح العربي أسعى :: أُعفرُ عند تربته خديدا
ويقول في وصف الطريق إلى ذاك الحمى :
يـا قـاصدًا للـحمى حمى الثغور ألا :: فـاسمعْ هُديـتَ أفِدْكَ الرأيَ والنظرا
إذا خرجتَ من الـوادي وراء سلا :: فسـرْ قـليلاً وخلّ الدور-ويْكَ -ورا
واصعـد هُديـت إلى ذاك العـلـوِّ وقِفْ :: ممتِّعًا فـي ربـاه السّمع والـبصرا
لـولا زكـامٌ عـرا مـا إن شعـرت بــه :: رأيـت وجه الثرى من عَرْفه عطِرا
ذات مطر زار محمد فال الزاوية وحبس المطر سيد العربي عن الخروج فقال محمد فال عند لقائه فى اليوم الموالي :
قد أمسى بقلبي مضمر الشوق ظاهرا :: لدُن لم تلح للعين طلعتكم أمسا
لئن كان غيم فى السما وأحتجبتمُ :: على عادة الأنواء أن تحجبَ الشمسا
أعطى سيد العربي محمد فال جبته وعصاه وأودعه الأسرار لدى قفوله إلى المنتبذ القصي.
وفى ليلة الأحد 29 رجب 1309 هـ - 1892 م وفى الساعة الحادية عشر ليلا توفي سيد العربي بن السائح عن عمر ناهز الثمانين ولما طلع النهار وانتشر خبر وفاته رحمه الله حضر الناس من العدوتين باختلاف طبقاتهم وأقيمت له جنازة مشهودة تولى فيها خطيب المسجد الأعظم بالرباط محمد الغازي ومؤذنه الحاج العربي اوفقير غسله وتكفينه وقام مولاي أحمد الودغيري الزيلاجي كبير البنائين فى بلاط الحسن الأول ببناء قبة على ضريحه وقام أهل العدوتين بشراء ثلاثة منازل مجاورة لقبره وأقاموا فيها مسجدا وزاوية قائمة الآن على شارع لعلو بالرباط
وقد رثاه جماعة من العلماء والشعراء بقصائد بليغة يقول محمد فال بن باب فى رثائه:
مضى الهمام فهاج الهم والأسف :: لكن فى الله عما فاتنا خلف
مضى زمان به كنا نصاحبه :: ياليته كل ماقد فات يُأتنف
كم خالني جاهل بالوصف مطريه :: وإنه كان حقا فوق ما أصف
من مؤلفاته:
- شرح منظومة للتجاني ولد باب فى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبنيه وبناته منهن
- شرح لامية الإمام البوصيري فى المدح
- ختمة صحيح البخاري شرح قوله باب " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة "
- بغية المستفيد لشرح منية المريد شرح بها منظومة التجاني ولد باب العلوي وطبعت فى حياته
- الجواب الكافى أجاب فيه على أسئلة العلامة سيدي صالح النيفر مفتي المالكية بالديار التونسية
- مفتاح السعادة الأبدية فى ذكر المهم من أذكار الطريقة التيجانية
وله علاوة على ماتقدم رسائل وأجوبة و إجازات ، وله الكثير من الأشعار متعددة الجوانب تتناول أغراض الشعر المعروفة غير أن المدائح النبوية والتوسلات الربانية هي الغالبة عليها.
ألا إن خير الناس طرا محمد :: وخير كلام العالمين كلامه
به يُشتفى من كل داء وعلة :: ويبلغ للقلب المعنى مرامه
رضي الله عن شيخنا وسيدنا سيدي العربي بن السائح.