#تحليل| إن قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية السنغالية الذي أعلن عنه الرئيس ماكي سال مساء أمس السبت، جاء في جلباب استخدام الصلاحيات الدستورية للرئيس, لكنه يخفي تحت ثناياه أن إلغاء مرسوم انعقاد الهيئة الانتخابية عمل يخالف القانون ويعارض مقتضيات الدستور، هذا يعني أن هناك نيّة الاحتفاظ بالسلطة أو التأثير على الانتخابات الرئاسية خصوصا أن التأجيل لم يحدد سقفا زمنيا محددا. الرئيس ماكي سال جدد في كلمته أمس عدم نيّته الترشح لولاية ثالثة، وبرر الخطوة الجريئة التي قام بها أنها لضمان نزاهة الترشح للانتخابات الرئاسية في إشارة إلى التحقيق الذي تجريه لجنة برلمانية بشأن التشكيك في نزاهة قاضيين اثنين ضمن اعضاء المجلس الدستوري المسؤول الأول عن ضمان أهلية ملفات الترشح ومطابقاتها للمعايير الممنصوص عليها، و غازل ماكي سال الطّيف السياسي والمدني بفكرة إنشاء حوار وطني شامل يتيح مبدأ التهيئة السياسية المناسبة للعملية الانتخابية وهي جملة مفيدة يستخدمها المُنقضون على الدستور والنصوص القانونية بغرض امتصاص (الصدمات السياسية).
الجدير بالذّكر أن قرار التأجيل الذي أصاب العديد من السياسيين والمثقفين السنغاليين بالضجر والاستياء، جاء قبل ساعات من انطلاق الحملة الرئاسية, والسنغال لم تدوّن ذاكرة الأيام لديها عبر التاريخ خطوة مشابهة، بل كانت دائما مثالا يحتذى به في القارة الأفريقية من ناحية التداول السلمي على السلطة منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960 لكن ولاية الرئيس ماكي سال الثانية والتي تعيش البلاد اليوم أيامها الأخيرة، اتسمت بالكثير من التجاوزات القانونية في مجال حقوق الانسان والحريات الفردية, مما ولّد موجة غضب شعبي أدخلت البلاد في الكثير من الأزمات السياسية والمظاهرات الشعبية المتواصلة، وصلت لمرحلة الخسائر البشرية والمادية، مما يعني أن هناك ممارسات للسلطة لم يألفها الشارع السنغالي، خصوصا ما تعرض له المعارض السياسي البارز عثمان سونكو المعتقل في سجون النظام.
عندما أفرج المجلس الدستوري عن اسماء مرشحي الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في 25 من الشهر الجاري، امتعض الشارع السنغالي من غياب بعض الأسماء البارزة مثل اسم نجل الرئيس الأسبق كريم واد، والمعارض السياسي البارز عثمان سونكو الذي يعتبر محليًا وجهاً معارضاً جديداً يعطي تذكرة أمل على متن رحلة قطار التغيير الديمقراطي، بينما ظهر اسم مرشح السلطة رئيس الوزراء آمادو با، و 20 آخرين من المرشحين باستفاء كامل للشروط المطلوبة، وهو ما أعتبره البعض ضربة قوّية للمعارضة السنغالية التي ظلّت تقارع النّظام لفترة طويلة.
عثمان سونكو يحمل خطابا سياسيا يتسم بالنزعة التحررية، ويدعو دائما في خطاباته إلى تحرير إفريقيا من الهيمنة الغربية، بادر في مباركة و إعلان الدعم للعقيد عاصيمي غويتا رئيس المرحلة الانتقالية في مالي ورفاقه في منطقة الساحل الأفريقي وذلك عقبَ القرارات التي اتخذتها دوّل المنطقة بشأن طرد فرنسا وتوليها شؤونها الأمنية بنفسها، هنا كان باديا امكانية أن تتغير السياسة الخارجية السنغالية 180 درجة في حال وصل سونكو إلى حكم السنغال، مما قد يحرك عرّاب فرنسا في السنغال و غرب القارة إلى الحيلولة دون خسارة الانتخابات المقبلة، الشعب السنغالي بدوره لن يقبل التزوير أو هدم الممارسة الديمقراطية التي تداولها 4 رؤساء في التاريخ السياسي السنغالي، وفي تصوري أن الرئيس ماكي سال يدرك جيدا حجم المخاطر وتداعيات أبسط محاولة لتمديد السلطة، لذلك أقصى ما يمكن فعله هو (القفز الناعم) على المراسيم القانونية وعمليات قيصرية سريعة لإطالة عمر الأيام المتبقية من حكمه، و النزول إلى الميدان لممارسة اللعبة السياسية بشراسة من أجل استخلاف وزيره الأول الذي دفع به كمرشح لنظامه.
لقد أبدى الكثير من الساسة السنغاليين امتعاضهم من القرار الغريب والأول من نوعه في تاريخ السنغال, مما يعني أن هناك مقدسات سياسية لدى النخبة السنغالية لا يمكن المساس بها، بمجرد أن تقترب أدوات السلطة النافذة من حدودها تبدي هذه الطبقة جاهزيتها للدفاع عن هذه المقدسات والمكاسب التي عملت على بنائها، بالتالي لا يمكن الجزم في الخطوة الأخيرة لماكي سال على أنها انقلاب مباشر على الدستور ما لم نرى الخطوات المقبلة للنظام و مدى صدقه في توفير ظروف مواتية للانتخابات الرئاسية و تنقيّة المجلس الدستوري من الدّرن الذي اتهم به حسب تبريراته، خصوصا في ظل وجود رفض ملف كريم واد، الذي حرّك كتيبة برلمانية لانشاء تحقيق في أسبابه.
السياسية السنغالية غائمة بسبب الخطوة التي هزّت الطّيف السياسي والمدني، ماكي سال أيضاً لا يخفي رغبته الشديدة في البقاء في الحكم إلا أن الدستور يمنع ذلك، المعارضة السنغالية تعرضت لضربة قوّية بعد استبعاد رجلها القوي سونكو، تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى وربطها بالمناخ السياسي الداخلي، التشكيك في نزاهة أهم مؤسسات الدولة المسؤولة عن تطبيق القانون الانتخابي وحماية الحقوق الدستورية، هذه هي معالم المشهد السياسي في السنغال، و معوّقات الانتخابات الرئاسية 2024، كما أنها علامات استفهام حائرة ستجيب عليها الأيام القادمة، ومن خلال تلك الإجابات سنحدد حقيقة الانقلاب الذي يتهم به النظام المستميت في البقاء في الحكم، أم أن ماكي سال حريص على تسليم السلطة وممارسة صلاحياته لضمان تطبيق آليات الانتقال الديموقراطي؟!
من صفحة الاعلامي سلطان البان
04/02/2024