ترجمة: هيفاء علي
جاك ماري بورجيه، كاتب ومراسل حربي مخضرم، غطى حرب فيتنام وحرب لبنان وحرب السلفادور والانتفاضة الأولى والثانية وحرب الخليج الأولى والحرب في يوغوسلافيا السابقة، أصيب على يد جندي من الكيان الصهيوني خلال رحلته إلى فلسطين لنقل الحقيقة حول معاناة الشعب الفلسطيني، الذي يرزح تحت وطأة الهمجية الصهيونية.
قبل أيام، أجرت مجلة “الاكسبرس” مقابلة معه، وصف خلالها الغرب بأنه مستعمرة بسيطة للولايات المتحدة، حتى أنها غير قادرة على أن تكون قائدة لأنها مطيعة فقط. وتحدث عن فشل الحروب الإمبريالية الجديدة، ونهاية الهيمنة الأمريكية على العالم، وصعود قوة جديدة لعدم الانحياز مع مجموعة “البريكس”. وفيما يتعلق بالجزائر، يرى جاك ماري بورجيه أن الانتخاب التاريخي للجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن، بأغلبية ساحقة، يرمز إلى هذا الفكر الجديد الذي يتبلور عبر العالم الجديد متعدّد الأطراف.
وأوضح أن أوروبا ليس لها وجه، لأنه ليس لها وجود خاص بها ولا شخصيتها وإرادتها، فأوروبا ليست سوى مستعمرة بسيطة للولايات المتحدة، وهي عاجزة تماماً حتى عن النفاق لأنها مطيعة فقط، فقد اختفت كل المعلومات الاستخبارية، وسادت الغوغائية والجهل والغباء. حتى الأصوات القليلة الواضحة غير مسموعة أو مدانة من قبل العدالة، كما هو الحال في ألمانيا، فالسكان في حالة من الركود والذهول، بسبب الضجيج الإعلامي الذي يكرّر شعارات الحقيقة نفسها مراراً وتكراراً.
ولفت بورجيه إلى أن العالم الغربي القديم في نهاية طريقه، حيث إن فشل الحروب الإمبريالية الجديدة ينهي الهيمنة الأمريكية على العالم، وصعود قوة جديدة لعدم الانحياز مع مجموعة “البريكس”، ورفض طاعة واشنطن، والتقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية، وكل هذه التطورات الجيوسياسية تجعل المستقبل قاتماً بالنسبة لتحالف الناتو. كان يتعيّن على أوروبا الحقيقية، الذكية المهتمة بمصيرها وسعادة شعوبها، أن تفهم أن مستقبلها لم يكن في الغرب، بل في الشرق.
وأضاف أن روسيا تنتمي ثقافياً واقتصادياً إلى تاريخ أوروبا لأكثر من أربعة قرون. وذكر العالم كيف أراد ديغول بناء أوروبا من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال. في ذلك الوقت، كان هذا هو السبيل للهروب من الوصاية الأمريكية، وبناء مستقبل مستدام. وفي القرن الثامن عشر، كان يتم التحدث بالفرنسية في بلاط سانت بطرسبرغ، وقد قامت كاترين الثانية بحماية فولتير وديكارت والموسوعات. وقال إن الكتّاب الروس هم مصلحتنا المشتركة، تماماً مثل الرسامين، حتى ماليفيتش وكاندينسكي، أو الموسيقيين مع سترافينسكي، وها نحن الأوربيين نشهد حالياً مذبحة هذا الكنز الذي هو أيضاً ثقافتنا.
ورداً على سؤال حول انهيار العالم أحادي القطب وسط الأزمة في أوكرانيا، وظهور نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، أوضح بورجيه أن الولايات المتحدة تخوض معركة أخيرة عندما خسرت كل المعارك الأخرى السابقة، من فيتنام إلى أفغانستان والعراق وسورية. ولكن من يتخيل أن تهاجم واشنطن الصين بذريعة قطعة أرض تسمى تايوان؟. كل هذا من باب التحريض الإعلامي، من أجل إرهاب الناس، ولكن يتم إعادة بناء العالم حول دول “البريكس”، والدول غير المنحازة التي تلتزم بأهدافها،حتى آفاق المستقبل تتغيّر أيضاً في المنظمات الدولية، وما كان مستحيلاً أصبح ممكناً. كما أن الانتخاب التاريخي للجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن، بنتيجة ساحقة، يرمز إلى هذا التفكير الجديد.
وأضاف أن الخطر يكمن في وجود شخص مجنون في مكتب بالبيت الأبيض، مجنون بما يكفي لشنّ عملية عسكرية من المغرب على سبيل المثال ضد الجزائر، كل شيء ممكن فالجزائر بلد مقاومة، إنها تثير غضب “العالم الحر” الذي يودّ أن يفرض قانونه هناك.
يقول الكاتب: مقتنع بأنه إذا حافظت الجزائر على موقفها الثابت من “إسرائيل”، فإن شعبيتها ستزداد، ليس فقط في العالم العربي، بل في العالم. في هذا الصدد، ستصبح الجزائر البلد المثالي، ولهذا السبب لا يزال هناك خطر الاستفزازات التي تمارس من منطقة الساحل أو الصحراء الغربية، ولكن حتى الآن، تمكنت الجزائر العاصمة من إدارة هذا الملف بكفاءة، حيث كشفت مصادر أن مخابرات الكيان الصهيوني اجتمعوا على مستوى عالٍ للغاية، الاثنين 30 أيار الماضي، بهدف وقف خطة لزعزعة استقرار الجزائر، ولكن يتطلب زعزعة الاستقرار استثمارات ضخمة في عمليات النقل البشرية والشؤون المالية، وبالتالي، في الوقت الحالي، فإن “عوامل عدم الاستقرار” تكتفي بتنشيط المنظمات غير الحكومية. ومن وجهة نظري، ينبغي على الجزائر أن تنظم نوعاً من المحفل الدائم مع الدول الشقيقة، الذي من شأنه أن يدين علناً بعض السلوكيات المنحرفة لـ”الغرب”.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أشار بورجيه، إلى أنه قبل أيام قليلة قتلت “إسرائيل” طفلاً في الثالثة من عمره، ولم نرَ أي احتجاجات على هذه الهمجية. في هذا الصمت يستمد الفلسطينيون قوتهم، لأنهم يعلمون أن لا أحد سيساعدهم، لكن هناك مجموعات جديدة من المقاومين في فلسطين، تواجه قوة فاشية.
وحول قراءته لتطورات العالم العربي في ظلّ المصالحة بين السعودية وإيران، أوضح بورجيه أنه كان على السياسيين أن يتعلموا منذ زمن بعيد أن الإمبراطوريات لا تموت أبداً. اليوم، أولئك الذين يتخيلون زيلينسكي ذاهباً لزرع العلم الأوكراني في فلاديفوستوك مجانين، وحتى شبه الجزيرة العربية لن تتحول إلى كوسوفو، وإيران أيضاً دولة قوية تاريخياً، ولهذين البلدين مصلحة في بناء مستقبل مشترك، وعدم خوض حرب لا أحد يستفيد منها إلا الولايات المتحدة.