
تراجع اللغة الفرنسية إفريقيا
مقابل تمكين العربية و لغات أخري .
من يراهن وطنيا علي ضرورة الخروج علي الدستور عبر التخلي عن اللغة العربية و اعتماد الفرنسية لغة ابتكارات .
فإن الرئيس الفرنسي ماكرون نفسه قد أثار علي مستوي قمة المنظمة الدولية الفرنكفونية ما قبل الأخيرة المنعقدة في تونس تحت شعار : التواصل في إطار التنوع و التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية و التضامن في الفضاء الفرنكفوني -
مسألة التراجع الملاحظ للغة الفرنسية لصالح اللغة الأم العربية في بلدان المغرب العربي خلال العقود الأخيرة مما جعلها في المرتبة الخامسة من بين اللغات الأكثر إنتشارا و إستخداما علي شبكة الأنترنت عالميا .
مطالبا بإعداد مشروع لإستعادة مكانة اللغة الفرنسية في مناطقها المعهودة سابقا و تعزيز حضورها علي مستوي شبكة الأنترنت وفي المنظمات والمحافل الدولية من خلال الإرتهان للتعليم و الثقافة والرياضة كعامل وحدة و رفع شأن للإرتقاء بالفرنكفونية و قد ابدي تفهمه دون أن يعرج علي طبيعة الأسباب او الدوافع الموضوعية.
و كأنه نسي او تناسي عن قصد او غير قصد تراجع الدور المحوري الفرنسي هو الآخر من مناطق نفوذه الواسعة و التاريخية في افريقيا.
حيث أن هذا التراجع في اللغة لم يعد يشكل مخاوف تذكر بل أضحي واقعا قائما تعود تداعياته في المنطقة المغاربية الي سعي حكومات هذه الدول الي تعريب مناهج تعليمها و التعدد اللغوي و كسر ازدواجية اللغة التي كان معمولا بها في السابق .
بالإضافة الي أن لغة الأبحاث العلمية والإقتصادية علي مستوي الجامعات باتت انجليزية صرفة أمام إكراهات العولمة و المرحلة.
بينما ساهم الوعي المتزايد لدي شعوب المنطقة في التحرر من قيود الماضي و التبعية العمياء
في ظل رفض فرنسا المتكرر للإعتذار عن حقبة ماضيها الإستعماري المشين و التعويض عن الأضرار و الخسائر و تصحيح الأوضاع الحقوقية و الإنسانية .
فالحضور الفرنسي في المجال الإفريقي الفرنكفوني ظل عسكريا أكثر منه إقتصاديا و ثقافيا ضمن مسار تحولي فرضه الوضع الدولي حينها تحت ظروف و مسميات الحرب علي الإرهاب او بأسماء متغيرة و مستعارة..
قبل أن تتغير المعادلة و تجد فرنسا نفسها كشخص غير مرغوب فيه persona non grata داخل مناطق نفوذها التاريخية بغرب إفريقيا في ظل تنامي ظاهرة الإنقلابات العسكرية و اتساع و تصاعد الأصوات الشعبية الواسعة الرافضة للوجود الفرنسي و طرد الحكومات الإنقلابية المغاضبة لقوات المستعمر من داخل أراضيها.
كما أن تراجع اللغة هو انعكاس لتراجع مكانة و دور فرنسا و تأثيرها علي الدول المغاربية.
و استمرار تباين العلاقات بين فرنسا من جهة و دول شمال افريقيا و الساحل من جهة أخري .
في حين شكلت الإزدواجية الفرنسية في التعامل مع حكومات وشعوب المنطقة المغاربية مظهرا من مظاهر هذا التراجع من خلال وضع العراقيل و الصعوبات امام مواطنيها عبر إجراءات وقرارات خدمت الإستهلاك السياسي الداخلي الفرنسي اكثر من العلاقة الثنائية و التاريخية بين حكومات و شعوب المنطقة و فرنسا .
لقد اصبح النفوذ الفرنسي داخل مستعمراته الإفريقية يواجه تحديا كبيرا نتيجة أزمة ثقة تراكمية جعلت شعوب المنطقة تكره الوجود الفرنسي علي اراضيها و ترغب في القطيعة وترفض كل اشكال التبعية و قبول الوصية علي غرار ما حصل في مالي و بوركبنافاسو و النيجر وصولا الي دولة الغابون البلد الغني ذات الإرتباط القوي بفرنسا و تداعيات ما جري علي أمن و إستقرار منطقة الساحل الإفريقي.
في حين بري بعض المراقبين للشأن الإفريقي بأن إقبال السينغالين علي اللغة العربية يدخل ضمن هذا التوجه الإفريقي المعادي لفرنسا و للغة الفرنسية .
و يزداد يوما بعد يوم رغم ضعف أداء النخبة المتعربة في ميزان السياسة بالبلاد
وبإعتبار أن للأمر علاقة بالتربية الدينية و غرس الأخلاق والقيم الحميدة .
كما سبق و أن أثار الرئيس السينغالي الحالي باسيرو فاي طرح إعتماد اللغة العربية كلغة رسمية بديلا عن الفرنسية
و هو ما تجلي بشكل ملموس في تأسيس مديرية الشؤون العربية و إدماج حملة الشهادات العربية في الرئاسة بهدف تعزيز و تطوير و تفعيل دور اللغة العربية التي طالما كانت مهمشة إلي وقت قريب و منذ قدوم المستعمر إلي السينغال .
أما في الجارة الشرقية مالي فقد تم تعديل الدستور لتتراجع بذلك مكانة اللغة الفرنسية لتصبح لغة عمل بعد أن كانت لغة البلاد رسميا .
في خطوة لأبعاد الثقافة الفرنسية عن العمل الحكومي.
أما في موريتانيا و أمام هذا التراجع الملاحظ للغة الفرنسية داخل مناطق نطقها قديما
فما زالت حاضرة بقوة علي حساب لغة الدستور ( العربية ) لعولمل متباينة داخل المشهد الوطني مهيمنة و مسيطرة في كل الأوقات كلغة إدارة و عمل و تخاطب بشكل شبه رسمي .
داخل الدوائر الحكومية و القطاعات الوزارية و في كبريات الشركات الوطنية و في كل المجالات الحيوية و قطاع المال و الأعمال بشقيه العام و الخاص .
واقع موروث عن الحقبة الإستعمارية مفروض بالإكراه متذ قيام الدولة المركزية دون قانون يذكر أو مشروعية دستورية أو إستشارة الشعب عن طريق إستفتاء وطتي .
أرتبطت به مرحليا عوائل و أسر و فئات صغيرة من أبناء الوطن دون غيرها .
مما ساهم في خلق تباعد إجتماعي طبقي بينها وبين القاعدة الشعبية العريضة،
و شكل بالتالي ضربة لمبادئ المساواة و العدالة المجتمعية و تكافؤ الفرص .
خاصة في ظل فرض و إرساء الدولة نظامين متباينين للتعليم عربي و مزدوج .
حصل هذا في موريتانيا بلد المليون شاعر عربيا تأريخيا و صيروريا و حاضرا .
و هو ما يعد تجاهلا و تجاوزا خطيرا و تخط صريح للدستور ساهم بشكل أو بآخر في تهميش و إقصاء اللغة العربية و التقليل من شأنها داخل مفاصل الدولة .
حيث كان من الضروري أن ننطلق من مسلمة لا مراء فيها بأن اللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي المشترك و بأنها هي اللغة الرسمية دستوريا .
شكلت دائما عامل وحدة و انسجام بين كل أطياف الشعب الموريتاني عبر العصور .
لذا فإن لم يوحدنا الدين الواحد و الشعور بالإنتماء للوطن الواحد
فإن لغة المستعمر ( الفرنسية ) سوف لن توحدنا إطلاقا .
أما مسألة اللهجات الوطنية فهي مصانة دستوريا يجب تطويرها و تأطيرها للإستهلاك و التواصل المحلي ليس إلا .
فاللغة مهما كانت و بالمفهوم الأوسع لم تعد تشكل عائقا إبستيمولوجيا في التواصل أو التخاطب أو التعامل نتيجة أن العولمة أختزلت العالم في قرية صغيرة .
لكن بالمقابل تظل اللغة إمتدادا و تأصيلا لهوية الشعوب و إنتماءاتها .
إن فرض هيبة الدولة و إحترام الدستور علي نحو يعزز اللحمة الوطنية و يحفظ للغة العربية مكانتها اللائقة و يكرس و يحقق العدالة الإجتماعية و يجسد التقسيم العادل للثروات بشكل تذوب الفوارق الإجتماعية ،
مطلب وطني سيمهد للتعايش الأهلي السلمي و لو بلغة الإشارة !!!
تأسيسا لما سبق يلاحظ جليا أن اغلب الدول الناطقة بالفرنسية و المستعمرة سابقا تصنف اليوم من أكثر دول القارة الإفريقية فقرا و أقلها إستقرارا حيث مازال أكثرها يخضع لأنظمة سلطوية أو تتعاقب فيه الإنقلابات العسكرية مقارنة بالدول الناطقة بالإنجليزية الأكثر إستقرارا والأنجع إقتصادا.
واقع ألقي بظلاله علي العلاقات جيوسياسية بالمزيد من التوتر في المواقف الدولية من دول المنطقة اتجاه فرنسا.
لتبنيها سياسات و استراتجيات خاطئة اتجاه حكومات وشعوب المنطقة في الإتجاهين المغاربي و الإفريقي مما أفقدها دورها الريادي و التاريخي في المنطقة وقلص من نفوذها لصالح قوي إقتصادية و عسكرية صاعدة
كروسيا والصين وتركيا ...والتي بدأت لغاتها هي الأخري تتوسع وتشغل اهتمام الرأي العام في القارة الإفريقية.
إضافة إلي تغلغل و انتشار قوات فغنير الروسية ميدانيا
داخل الأراض المالية و التلويح بإنشاء قوة ساحل مشتركة بين كل من الثلاثي المغاضب مالي و بوركينافاسو و النيجر ذات توجه روسي.
علي نقيض قوة دول الساحل الخمس التي كانت قائمة في السابق بدعم و توجه فرنسي.
فهل بدأ النفوذ الفرنسي في افريقيا في الأفول قبل السقوط الحر ؟
ام أن ميزان القوي داخل افريقيا في طريقها الي التغير ؟
حفظ الله موريتانيا
اباي ولد اداعة .