ذكريات ميافر الى تيشيت الحلقة الاولى / محفوظ الجيلاني
الجمعة, 20 يناير 2023 19:40

altزرت مدينة تيشيت الاثرية قبل سنوات مضت رفقة وفد دبلوماسي امريكي..ما زالت صور نخلها الباسق واطلال مبانيها الاثرية القديمة

 ماثلة في ناظري، وما زلت ايضا اتذكر  كرم اهلها وسخاءهم الفطري وفرحهم الذي يقابلون به من يقدم اليهم من العالم الآخر البعيد .. وقد كانت الرحلة شاقة ومتعبة بسبب وعورة الطريق..وانت تغادر مدينة تجكجة- المحطة الاولى للرحلة الحاسمة -مع خيوط الفجر الاولى ميمما شطر تيشيت فتتوهم لاول مرة ان اقدامك قد ساقتك الى  نهاية الكون وانك اشبه ما تكون برائد فضائي او مغامر مقامر  تاهت به مركبته الى سطح كوكب المريخ الاحمر الذي تروى عنه القصص المخيفة والاساطير المهولة.. ارض بنية شديدة الاحمرار وجو قاتم مغطى باتربة ورياح دائبة الحركة.. وحجارة قانية تم تفتيتها بشكل عشوائى على جزيئات الطريق ..مدببة الرؤوس ومتباينة الاحجام اغلبها يشبه الخناجر أوالامواس الحادة.. تتخيل وانت تقلب النظر فيها على انها بقايا لآثار اسلحة لمعارك بدائية لامم انقرضت اوقبائل امحقت ولم يبقى لها من اثر الا ما كانت تقاتل به بعضها البعض في صلافة وقوة ورباطة جأش.. او كما لو انها عمل فعله فاعل عن قصد حتى لا تسير السيارة بسرعتها المطلوبة وكي لايستريح السائق والراكب من هذه المشقة المملة وهذا العذاب المتصل  والذي قد لايكون عذابا بالنسبة لتلك البيئة فهو انما هو جزء من القرى الذي تقدمه لضيوفها بسخاء وهي لا تملك غيره لتجود به لضيوفها .. في هذا الطريق لا ماء ولا بشر ولا حتى شجر  ومن النادر ان تصادف الحضر او المدر.. مع الوقت تشعر بالتعب وهو يتسلل الى جسمك وتحس بالملل  والذي يساعد فيه احساسك بان مقعد السيارة الذي كان وثيرا وممتعا لحظة صعودك اياها وكانه فقد نعومته وراحته وان وخزا حادا ومنتظما بدأ يضغط على الجهة السفلية من جسمك ..فلا التململ يمينا او يسارا يجدي.. ولا تغير  الوضعية يزيح الالم..اما النوم فهو ابعد ما يكون فحركة السيارة واهتزازها الثقيل  وسيرها البطيئ والمنتظم في اهتزازه كأنه عقرب ساعة الصقت بحائط بدأ ينثر صوته في المكان بعد ان هدأ من حوله كل شيء.. اصوات المحرك  الممزوجة بما تحدثه عجلات السيارة من اصطدام يحيل الى الذهن حال من- يركب حديدا يسير على حديد- فما يحدثه من ضجيح يكفي لو وزع على العالم لطرد النعاس من جفون الملايين. تمضى اللحظات ثقيلة كئيبة ويخيم الصمت والوجوم على الركاب تتغير الامزجة وتتلون الأوجه بوشاح آخر ويستحيل حماس رفاق الرحلة وحنينهم الى التعارف مع ما يصاحبه عادة من مجاملات ومن نوادر وشذرات ومن قصص وطرائف ومن حركات والوان التسلية واستدعاء البسمة  الى ضرب من ضروب الجفاء والخصومة غير المعلنة بين رفقاء الرحلة  .. لايبدو النظر من النافذة ملاذا للتسلية او تمضية الوقت فالطبيعة والمكان يكشفان عن وجه آخر غير الذي اعتدنا عليه في المدن المكتظة والغابات الاسمنتية المتزاحمة .. هنا يتربع الغمام على سلطان الجو ويبسط رداءه الازرق على الفضاء... تتراءى لك من بعيد الجبال الراسية والمهامه الوعرة وهي في عناق اخوي عجيب وبديع..لكن مع الاقتراب اكثر فاكثر  ينكشف لك زيف هذه الرؤية وتهافت هذا التصور فكلاهما ينظر الى الآخر من بعيد نظرة شزر وعداء.. السائق..كم الساعة الآن..عند منتصف النهار سنصل الى مركز الخشب الاداري لنختلس استراحة قصيرة ولنبدا مشوار رحلة اخرى ومن نوع آخر ...

يتواصل...

الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox

إعلان

البحث